مراجعة الدكتور نزار دندش حول رواية “على مائدة داعش” للروائية زهراء عبدالله”
قد يظنُّ البعض أنّه من السهل كتابة رواية تغطي أحداثاً جارية كتلك التي عصفت بمنطقتنا وما زالت تتوالى فصولاً مع ما رافقها من دمار ٍ أخلاقي وخروج عن ثقافات الشعوب وأعرافها المسيطرة. لكن الأمر أصعب مما نتخيّل بكثير، اللهم إلا إذا كانت رواية إخبارية كتلك التي صدرت بعد حروب كبيرة.
أما رواية الكاتبة زهراء عبدالله “على مائدة داعش” التي نتّخذ من نقاشها وليمة لهذا المساء، فقد نجحت برأيي وإلى حدود الدهشة في نقل الصورة من منظار أدبي_روائي، حتى أنني خلتها في بعض الأماكن ترجمة حرفية ليوميات البطلة “يوفا” ترويها بنفسهاحدثاً حدثاً ومصيبة مصيبة.
لا أعرف المراجع التي اعتمدتها الكاتبة، ولا الأشخاص الذين استنطقتهم، ولا أعرف حدود المتخيّل والمسموع، لكنني أقرُّ وأعترف بأنني صدّقت كل ما جاء في الرواية وتفاعلت معه على أساس أنه حقائق موثّقة.
لقد نجحت الكاتبة في استنفار أنواع الإشمئزاز من تصرّفات طفيليي هذا الزمن وحتى حدود السُّخط والحقد والتبرّؤ من ثقافتهم المعاقة.
ليس المطلوب منا مراجعة الرواية بتفاصيل أحداثها، كما فهمت من أمر المهمة الموكلة إلينا، فالمستمعون قد أنهوا قراءتها بنجاح وليسوا بحاجة إلى سماع التكرار حتى ولو لم يكن مملاً. لذلك سوف أركز على بعض الملاحظات هنا، وملاحظات معشر الروائيين تُصنّف في خانة الإيجابية على أية حال.
_ عنصر التشويق كان نابضاً ومتصاعداً حتى آخر محنة من محن بطلة الرواية.
_ الفصاحة كانت لافتة رغم انتساب أسلوب الروائية إلى السهل الممتنع عيار 24 .
وقد سجّلتُ عدّة عبارات أثارت إعجابي أذكر منها:
عبارة: “دون أن أوقظ السكون” ص. 24
عبارة: ” واسودّ اللوح الأخضر بأربعة منهنّ، أي من الداعشيات” ص. 25
عبارة: ” بانت أسنانه كأحجار عتيقة مغبرّة” ص. 26
عبارة: ” دخلتُ إلى منظومة تعود بالزمن إلى الوراء.” ص. 76
وعبارة: “دخلتُ إلى منطقة بعالم آخر، لا تدخلها إلا كائنات ملتحية، وكائنات تتنقّب بالسواد المقدس.” ص.76
_ الوصف في الروايةدقيق وحيوي، حتى للأشياء المتخيّلة، مما يدفع القارئ إلى التمسكبتفاصيل السرد وإلى التقاط كل الأفكارالواردة في النص رغم تكثيفهاالظاهر الذي أغنى الرواية كثيراُ.
_ الإسترجاع في الرواية لم يكن مملاّ أبداً فلقد جعلت الكاتبة من السيرة الموازية، أي من حب يوف لسيروان جسر عبور من وقائع القمع والإهانات إلى فضاء التفاؤل، ونافذة لاستنشاق أوكسجين الحياة في عمق غبار الأجواء القاتمة.
وقد كان الإنتقال موفقاً على الدوام من الواقع الظالم إلى فضاء الأحلام السيروانية (نسبة إلى سيروان)، ثم العودة إلى واقع المآسي من جديد، حيث كانت الاستطرادات محببة وخفيفة باستثناء مكان واحد في الصفحتين 16 و17 لم أقبله على أحسنه.
ومع أنني لا أحب الشروحات التوضيحية في أسفل الصفحاتالتي تشبه شروحات الموسوعات، إلا أن التوضيحات التي استعملتها الكاتبة كانت مفيدة وقرأتها بحماس.
رواية الكاتبة زهراء عبدالله غنية بالدروس والحكم والملاحظات الذكية.
فحرب داعش وضعت الجار في مواجهة جاره (ص.18)، والدواعش استعملوا الطريقة التي استعملها النازيون مع اليهود في ألمانيا فقد اختاروا الهجوم على الأيزيديين بغية سلبهم أموالهم.
وحرب داعش على الأيزيديين أعطتهم وأعطت العالم صورة خاطئة عن الإسلام.
وتقول الرواية على لسان البطلة يوفافي الصفحة 28: “سينتزعون إلهي من جوفي ليرموا لي بإلههم.” وكأن الكاتبة تريد أن تقول إن السياسة تستخفُّ بمعتقدات الإنسان.
في الصفحة 109 تقول بلسان يوفا: “لو كان أبي وأمي ومجتمعي خُيّروا بين أن أحب سيروان وأتزوجه أو أن أكون هنا مع هؤلاء، كل يوم ببيت أحدهم، وكل ليلة تحت واحد منهم… ماذا كانوا فضّلوا؟ هل كانوا سيكسرون أعرافهم ويضعون صورة عرسي بدلها؟”
وكأني بالكاتبة تقول هناإن الأعراف الثقيلة لا تكسرها إلا الأحداث الثقيلة.
ونلاحظ في الرواية أيضاً أن الدواعش يطوّعون الدين كما يشاؤون فهم يقتلون كل الرجال لكي تصبح نساؤهم أرامل يحلّ التمتع بها مع أنهم لا يراعون الشروط الدينية كشرط انتهاء العدّة وما شابه.
والدواعش يركّبون الإيمان كما يتم تركيب لعبة البازل، فقد استولوا على الأطفال الصغار وأسموهم أشبال الخلافة الذين سيدخلون الإسلام ويتعلمون القرآن ويجاهدون في سبيل الله لأجل الدفاع عن دولة الخلافة.
في روايتها هذه تحملنا زهراء عبدالله إلى فضاء فسيح ثم تنقلنا إلى مكان بعيد ثم تعيدنا إلى متابعة الحدث في أقل من سطور، ولعلّ في ذلك براعة موصوفة.
ولكي لا تقتصر مداخلتي على استعراض نقاط القوة، لا بدّ من ذكر بعض ما أراه حاجزاً دون الكمال:
1 ـ لقد اختارت المرأة المخلّصة ل يوفا مسلمة عانت بدورها من ظلم الدواعش وهذا أمر جيد، لكنه كان من الممكن برأيي أن تستفيض أكثر لكي تبرز الفرق بين داعش والإسلام.
2 ـ تتناول الرواية مرحلة تعبر فيها المنطقة من عصر إلى عصر، فأين التاريخ في الرواية؟
3 ـ هناك ضعف في الأفكار العبقريةمع أن هناك ثورة على التقاليد ولوماً لموقف القدر.
4 ـ هناك أخطاء مطبعية وأخرى لغوية، لكن ذلك لا يعيب الرواية التي قد ترشّح لنيل جائزة أو أكثر.
سلمت يداك يا زميلة زهراء وإلى مزيد من العطاء.
الرواية عبارة عن سيرة قصيرة لطائفة الأيزيديين الذين تعرّضوا لغزو ظالم ومحاولة إبادة على أيدي الدواعش تم فيها قتل ما أمكن من الرجال وسبي ما طالته الأيدي من النساء والإستيلاء على الأطفال.
النساء توزّعن إلى زوجات أشهرن إسلامهن أمام الدواعش، وسبايا تحوّلن إلى جاريات تمَّ بيعهنَّ أو تقديمهنَّ هدايا لأمراء التنظيم، وفي معظم هذه الحالات كان اغتصابهن سيد الموقف، والتنكيل بهنَّ سمة التعامل، وكانت أجسادهن مائدة المساء.
البطلة يوفا كانت النموذج فلخّصت معاناتها معاناة الجميع ومثَّلت سيرتها سيرة طائفة كاملة لأكثر من ثلاث سنوات.