جمعية المعارف الحكمية
اسم الوردة( لإيكو)
والشراكة بين السيميائية تفكيكية
( بقلم د. علي زيتون)
يبدأ د. علي زيتون بحثه بطُرفةٍ صغيرةٍ، تخدم قراءته المعمقةَ لرواية اسم الوردة لإيكو، وذلك بالاستناد إلى القراءة السيميائية والتفكيكية.
تنفتح الطرفة على فكرين مختلفين تمامًا، إلا أن هناك نقاط تواصل عميقة بينهما، وقد ربط د. علي بين هذين الفكرين بسلاسة ورشاقة، فالأحفاد جاؤوا ليمتّعوا آذانهم بسماع قصّة مشوقة من الجد، والجدّ أراد أن يحرك مفاصل العقل والتربية والأخلاق عندهم ، وأن يدفعهم إلى تبني الأمور من خلال المنطق والتفكير في اتجاهات متعددة لعلهم يصلون إلى إدراكها بشكل أفضل.
وقد طرح السيميائية والتفكيكية كقراءة لهذه القصة لأنّه أراد أن يفتح أمامنا أفاقًا جديدة، ومن ثم ينتقل بنا إلى تنمية الحس النقدي وتوسيع دائرة اهتماماتنا، ما يدفعنا إلى الأعماق أكثر في قراءة أي عمل أدبي، فلا نقنع بما هو سطحي، ولا نكتفي به.
البداية بالنسبة إلى الإثنين معًا كانت ممتازة ، لا بل رائعة ، والدليل تلك العبارة التي لها مفعول السحر في الأولاد( كان يا ما كان) ما جعلهم مشدودين إلى الجد بكامل حواسهم .
وما إن تحرك الجد باتجاه هدفه حتى انفضّ الأولاد عنه، ذلك أن مخزونهم الثقافي لم يكن قد وصل الى تلك النقطة من محاكاة العقل أثناء السرد، واعتبروا أن الأمر لا يعنيهم والحكاية معقدة، ولا تستحقُ اهتمامهم، وتضيّعُ وقتَهم .
انطلقَ المؤلف من مجموعة أسئلة يخلص في نهايتها إلى أنَ السيميائية تواكب التفكيكية، وتسيران جنبًا إلى جنب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجد والأحفاد، فتتضح المعالم أمامنا، وننسى أن الوهم وحده هو الذي جعلنا نعتقد أن هناك طلاق فكري بينهما.
يجيب د.علي في ثنايا البحث عن تلك الأسئلة، حيث يفكك السيميائية ويفتح مغاليقها أمام القارئ، ويضعه في موضع المتلقي حيث أن النص يخضع في قراءته إلى سلطته وحده ، فيضفي عليه ما يعتقد أنّه الصواب.
ويرى أن القراءة السيميائية ليست إلا رحلة ممتعة على الإنسان أن يتفكر في كل تفاصيلها، ويلم بكل جوانبها، وأن يتعاطى مع أحداثها بكل الاتجاهات، ويحرك على حد قوله مفاصل الفكر، ويبذل الجهد، ويقدم السواعد ، وعليه أن يكون مجتهدًا عالمًا بكل الخفايا متوقعًا لكل ما قد يستجد ويربط ذلك بثقافته العلمية ، والأدبية والاجتماعية، و كل ذلك يتم وفق ما يرغب ويشتهي كي يستطيع أن يحقق غايته المرجوة، الا وهي( المتعة / الفائدة).
يفصل الباحث في ما بعد نظرية( إيكو) التي ترفض أن تكون اللغة هي السبيل الوحيد للتواصل ( وذلك كما فعل الأطفال مع جدهم ما أدى إلى انقطاع الود وحبل التواصل بينهما)، وهذا غير مسموح به في النصوص، بل علينا أن ندرك أن للإشارات والعلامات والرموزِ دورٌ كبير في عملية التواصل.
وما بين نظريتي ( ادسو وإيكو) نعثر على نبوءة بالحالة الثقافية التي نعيشها اليوم، حيث يصل معهما د. علي إلى الربط بين الدلالات السابقة( أصول الأصول)، والدلالات اللاحقة( آثار الآثار) ، كما نعثر على منهج آخر مشتق من المنهجين السابقين فنرى أنفسنا ونحن نقف أمام التأويلية التي قال بها دريدا.
وبعد أن ينتهي من عرض النظريات وطرح الأسئلة حولها ، يروح يفصل ( أوراق الوردة) في سياقها ويعرض العلامات فيها للعقل والمنطق والتسلسل الفكري الذي تفرضه علينا القراءة السيميائية. ومن ثم يفصّل هذه العلامات إلى نوعين:
- الأولى منها فهي ترتكز على الدال، أي أنّها( حاسمة في دلالاتها، واثقة من قوة حضورها وجلائها ).
- أما الثانية فهي أكثر ما ترتكز على الخفايا، وما يمكن أن يُقْدِم عليه الإنسان في ضوئها، ويشير إلى أنها علامات مضلِّلة ذلك أنّها لا تحمل معنًى يقينيًا، إنَّما هي دعوة ” إلى التعامل معها خارج دائرة الحداثة واليقينية”. وهي المسافة التي تنتقل فيها العلامة من الشك والتأويل والتحليل، لتقف عند حدود اليقينية، ولا تصل اليها في الأعماق.
ويعود في مكان آخر ليربط العلامة، بالعلاقة التخمينية إذ يقوده البحث إلى كلام (البحراني) العالم الذي عاش في القرن الرابع الهجري، وقد عرَّف العلامة على أنَّها ثُنائية قائمة على( دال / ومدلول)، وهنا إشارة إلى أنّ العلماء قديمًا عرفوا المناهج، واشتغلوا بها، وقد أُعيد إحياؤها على يد العلماء في العصر الحديث، وقد وصل البعض منهم إلى استنتاج مفاده أن القراءة ليست آلية حاسمة، إنّما هي تخمين مشوب بالكثير من الشّك وغياب اليقين.
يشير د. علي في ختام بحثه إلى وجود أكثر من حاكمية في الطبيعة الإنسانية. إذ بالإضافة إلى حاكمية العقل الذي قد تكون له السلطة المطلقة، هناك حاكمية الأخلاق التي نشأت مع الإنسان وهي( حب الخير وحب الشر) ، حيث لا تقف هذه الحاكمية عند حدود معينة، بل تسير لتصل إلى حدود الشهوة المتعددة اللا متناهية التي تحرك سلوك الإنسان في قراءة علاماته إلى السلطة والتربع على كيانه، والتحكم به في الكثير من الأحيان، وما التركيز على ما بعد الحداثة إلا ليقول إنّنا أمام مسارين يكملان بعضهما.الأول : متمثل بعمل النّملة التي تجني وتجمع، لتعود ثانية للإفادة من جَنْيِها، والثاني: متمثل بالنحلة التي لا تهدأ ولا تستكين حتى تعطي أفضل جناها.
وإذا ما أردنا أن نربط بين بداية البحث ونهايته، فإننا نصل مع د. علي إلى أن الجد والأحفاد من صلب واحد، ولكن لكل منهما نظرته ورؤيته إلى الأشياء، ويعيش الحياة بما يتناسب وفكره وأسلوبه وطريقته في الحياة.
وقد أجاد حين فكك الرواية بالاستناد إلى السيميائية والتفكيكية ووصل بنا إلى أن إحداهما تدعم الأخرى، وأنّه يمكننا أن نعيدَ قراءةَ أدبِنا القديم في ضوء النقد الحديث، لنعود فنكتشف مواطن الجمال والفائدة فيه .
د. خديجة شهاب