هاجس الغوص في أغوار القصّة العربيّة
في ضوء الرّؤية السّيميائيّة
قراءة في “سيمياء القصّة العربيّة” لأنطوان طعمة
د. لؤي زيتوني
ليس من السّهل الدّخول في قراءة دراسة نقديّة متخصّصةٍ في واحدٍ من المناهج الحديثة المستندة إلى علوم اللّغة المتقدّمة، وذلك لما فيها من تفاصيل تقنيةٍ ومصطلحاتٍ غير مألوفةٍ بالنّسبة للقارئ العاديّ، كما لما تتضمّنه من دقّةٍ في التّمعّن بمفاصل المادّة المدروسة بشكلٍ إحصائيٍّ يتطلّب جهداً ووقتاً غير قليلين. كما ليس من السّهل أن نعثر على مؤلَّفٍ من هذا النّوع قادرٍ على امتلاك المفاهيم الخاصّة بالعلوم اللّغويّة تلك على نحوٍ وافٍ، وبالتّالي على تقديم رؤيةٍ واضحة إلى القرّاء تستطيع جلاء أعماق النّتاجات الأدبيّة عموماً، والقصصيّة منها خصوصاً.
ولعلّ هذا ما جعلني أقبل على قراءة كتاب “سيمياء القصّة العربيّة” بشيءٍ من الحذر الذي لا يخلو من الفضول في معرفة الجديد المبثوث في طيّاته. وأعترف أنّ قراءتي حتّى نهاية الفصل الأوّل كانت محرّضاً دفعت بي إلى الانكباب على الخوض في ما تبقّى من فصولٍ سعياً وراء المزيد من الجديد الذي أتى به المؤلّف الدّكتور أنطوان طعمة.
بداءةً، لا بدّ من الإشارة إلى فرادة الهاجس الذي انطلق منه الدّكتور طعمة، إذ أنّ هذا الهاجس تبلور من خلال المزاوجة بين أن نعثر على مؤلَّفٍ من هذا النّوع قادرٍ على امتلاك المفاهيم الخاصّة بالعلوم اللّغويّة تلك على نحوٍ وافٍ، وبالتّالي على تقديم رؤيةٍ واضحة إلى القرّاء تستطيع جلاء أعماق النّتاجات الأدبيّة عموماً، والقصصيّة منها خصوصاً.
ولعلّ هذا ما جعلني أقبل على قراءة كتاب “سيمياء القصّة العربيّة” بشيءٍ من الحذر الذي لا يخلو من الفضول في معرفة الجديد المبثوث في طيّاته. وأعترف أنّ قراءتي حتّى نهاية الفصل الأوّل كانت محرّضاً دفعت بي إلى الانكباب على الخوض في ما تبقّى من فصولٍ سعياً وراء المزيد من الجديد الذي أتى به المؤلّف الدّكتور أنطوان طعمة.
بداءةً، لا بدّ من الإشارة إلى فرادة الهاجس الذي انطلق منه الدّكتور طعمة، إذ أنّ هذا الهاجس تبلور من خلال المزاوجة بين مطمحين: الأوّل يتجلّى في تقديم المقاربة السّيميائيّة بوصفها منهجاً صالحاً للعمل القصصيّ العربيّ خصوصاً، وللعمل الأدبيّ عموماً. أمّا الثّاني، فينبع من طموحٍ مشروعٍ بتعميم المنهج السّيميائيّ في قراءة العمل الأدبيّ إلى فئة المعلّمين والمتعلّمين في المرحلة الثّانويّة على وجه الخصوص، تحريكاً للجمود السّائد في المناهج التّعليميّة لدينا.
انطلاقاً من ذلك، يمكننا أن نرصد محاور البحث التي توزّعت على خمسة فصول، وردت على الشّكل الآتي: حول دراسة منهجيّة للأدب القصصيّ، المنهج السّيميائيّ وتحليل القصّة الحديثة والمعاصرة، سيمياء العالم القصصيّ، المؤتلف والمختلف في الكتابة الرّوائيّة، السّيمياء وتعلّميّة النّصّ القصصيّ.
من الواضح في هذا التّوزيع حضور العقليّة المنطقيّة في تدرّج موضوعات الفصول، إذ نلحظ بوضوحٍ عمليّة الاتّساق التي تبدأ بإضاءاتٍ حول مقاربة العمل قصصيّ، ثمّ تقدّم لنا المنهج السّيميائيّ بوصفه القادر على تركيز النّظر في النّتاج الأدبيّ دون إغفال الحضور الفاعل للكاتب ومحيطه، بعدها تتطرّق إلى سيمياء العالم القصصي أو المستويات والعناصر التي تقوم عليها دراسة القصّة، فطبيعة العمل القصصيّ الحديث الذي يتّجه نحو الاختلاف بخلاف العمل الكلاسيّ القائم على الائتلاف، ثمّ تخلص إلى كيفيّة تبسيط المنهج السيميائيّ ليكون متاحاً أمام المتعلّمين لدراسة النّصوص الأدبيّة بعمق ومنطقٍ بعيداً عن التّعميم والتسطيح.
ويُحسَب للمؤلّف الدّكتور طعمة تنوّع الأسماء التي تمّت دراسة أعمالها من حيث البيئة ومن حيث المراحل الزّمنيّة، وهو بذلك قام بالخطوة العمليّة الأولى باتّجاه الخروج من التّعميم في الدّراسة إلى التّخصيص، وبالتّالي إبراز فرادة العمل القصصيّ عن غيره من خلال العلامات المميِّزة له.
إضافةً إلى ذلك، فإنّ الباحث يعمل على تحديد مستويات دراسة القصّة عموماً، والعربيّة منها خصوصاً، وأقصد: بناء الحبكة وشبَه العالم الرّوائيّ والنّسيج القصصيّ. كما يقوم بدراسة المستوى الأخير بشيءٍ من التّفصيل. وفي هذا السّياق، لا بدّ من الإشارة إلى التّصويب الذي أشار إليه حول الخطأ الشّائع الذي يقوم به المعلّمون من رصد نمط النّصّ وهو تعبير غير دقيق حسب الدّكتور طعمة، لأنّه ليس هناك أيّ نصّ ينفرد بنمطٍ محدّد، فالأنماط تتداخل على نحوٍ كبيرٍ في النّصوص، وذلك فإنّ الأصحّ القول بــ”نمط الخطاب” لكون هذا الأخير هو الأكثر شمولاً وهو الذي يتضمّن غاية الكاتب والظّروف المهيمنة على الكتابة.
إلى جانب ذلك كلّه، قد خصّص الكاتب بشكلٍ فريدٍ فصلاً لإظهار التّطوّر في بنية القصّة العربيّة من ناحية التّناسق والتّآلف الذي بنيت على أساسه الأعمال القصصيّة التّقليديّة، في مقابل كسر المسار الخطّيّ الذي تعمد إليه الأعمال القصصيّة الحديثة في محاكاةٍ للحياة نفسها.
يبقى أن نشير إلى أهمّيّة الفصل الأخير الذي يتعلّق بتعلّميّة المنهج السيميائي في دراسة النّصوص القصصيّة المدرسيّة، إذ يرشدنا الدّكتور طعمة إلى الوسيلة التي يرى أنّها تحرّك ركود المناهج التّعليميّة المتّبعة في بلادنا والتي ما زالت تتّسم بالتّقليد في التّعامل مع النّصوص المختارة للدّراسة، كما تتّسم نتائجها بالعموميّات التي يمكن أن تنطبق على أيّ عمل قصصيّ. وبناءً عليه، يمكننا القول بأنّ هذا الفصل عبارة عن نواة مشروع يطرحه الدّكتور ويجدر أخذه على محمل الجدّ.
خلاصةً، أرى أنّ كتاب “سيمياء القصّة العربيّة” للدّكتور أنطوان طعمة طرح نفسه بوصفه مرجعاً لدراسة القصّة العربيّة من باب المنهج السّيميائيّ، وبالتّالي حجز له حيّزاً مكيناً في زاوية النّقد من المكتبة العربيّة، لعلّ الباحثين والمتلمّسين لخطى الدّراسة الأدبيّة يستهدون إليه ليكون مرشداً لهم ومعيناً يفيدون منه؛ كما ننتظر من كاتبه المزيد من الدّراسات السيميائيّة التي تغني مكتباتنا.
د. لؤي زيتوني