بانوراما الشر الأوسط ـ 6/5/2015
استكمل مؤتمر “ثقافة المقاومة” اعماله اليوم في قصر الاونيسكو تاريخ 5 أيار 2015 الذي دعى اليه تكتل الجمعيات والهيئات الاهلية في لبنان والملتقى الثقافي الجامعي.
“المقاومة وقضايا الفكر” عنوان الجلسة الأولى التي خاض فيها مؤتمر “ثقافة المقاومة السنوي الثالث، يوم أمس بعد الظهر في قصر الأونيسكو. وتناوب على الحديث فيها عدد من الدكاترة الأكاديمين وأدارها عميد معهد الدكتوراه للعلوم الإنسانية والاجتماعية الدكتور طلال عتريسي.
المحاضرة الأولى في هذه الجلسة ألقاها الدكتور ساسين عساف، وحملت عنوان ” المقاومة ونقض ثقافة الاستلاب”، أظهر فيها التناقض الكبير بين ثقافيتن، الأولى التي تحمل معاني الصمود والتحدي والصبر والعمل على خلق واقع جديد فيها روح الانتصار والكرامة والشرف، بينما ثقافة الاستلاب تعني سحب كل أسباب العزة والتحدي نحو الذل وروح الانكسار.
الشيخ أديب حيدر تحدث عن الثقافة الإسلامية والبعد المقاوم، وحصر حديثه عن مرحلة صدر الإسلام من خلال تجربة الرسول الأعظم(ص)، الذي أسس فيها لروح المقاومة من خلال مصطحات ومفاهيم تحمي الأفراد المؤمنين الذين كانوا اقلية، في وجه المجتمع الجاهلي الذي كان سلاحه ضد المسلمين هو لغة العنف والتعذيب، بينما اعتمد الرسول على لغة الحوار والنقاش. فكان ذلك أن أسس لروح الثبات والصبر عند المسلمين، وحافظ على المعطيات الجديدة التي أمدهم بها الإسلام. وأخرج الهوية من الحالة الفردية القبلية إلى المعنى الاسلامي الاشمل في حركة الاستمرار. وانتقل الشيخ حيدر إلى الحديث عن الثورات العربية في القرن العشرين والتي فشلت فشلا ذريعا في تأسيس مرجعية ثابتة لها، فلم يكتب لها الاستمرار، فكان ضياع فلسطين أكبر هزيمة لها. وختم أنه علينا تحويل المحطات التاريخية التي مرت فيها المقاومة في لبنان إلى ذاكرة جمعية تحفظ للاجيال القادمة.
وعن إشكالية العلاقة بين المقاومة والتعبئة تحدث الدكتور أحمد البعلبكي، مستفيضاً بالحديث عن أشكال التعئبة التي يجب حضورها في الأمة لتبقى ثقافة المقاومة واقعا راهنا يحمينا من الضعف والانكسار في وجه التحديات الكبيرة التي نواجهها حاليا خصوصا أمام الفكر التكفيري.
الدكتور محمد العريبي انتقل بالحديث عن ثقافة المقاومة والبعد التربوي، متطرقا إلى أهمية المناهج التربوية في تشكيل وعي الاجيال القادمة نحو ثقافة مقاومة تحمل في طياتها التحفيز في الحفاظ على الهوية الأصلية لأمة العربية والاسلامية.
أما المحاضرة الأخيرة في هذا المحور كانت من نصيب الدكتور فؤاد خليل، وحملت عنوان “الطفل الغزاوي في مواجهة العنفين الحداثي وما بعد الحداثي”، إذ ركز على أن انتاج المعرفة الخاصة بالعالم العربي يجب أن تنطلق من فكر نقدي يؤسس على ما يمكن أن نستفيده من المنظومة الغربية وهي فكر الحداثة، من داخل شروط ثقافتنا الخاصة. وبيّن الدكتور خليل كيف يواجهنا الغرب بفكر ما بعد الحداثة التفكيكي الذي لا يؤمن بالعقل مرجعية في الحياة، من خلال الحروب التي يشنها علينا، ومن خلال سنها لمفاهيم مثل الارهاب الذي يصف به مقاومة الطفل الفلسطيني للدبابة الاسرائيلية، حيث تمكن الطفل الغزاوي بحجره أن يعيد إحياء الذي أماته الفيلسوف الغربي “نيتشه”.
الجلسة الثانية : المقاومة مجتمعا وحقوقا
وصباح اليوم أكمل المؤتمر اعماله وكانت الندوة الثانية . “المقاومة الوطنية والمنطق المعولم”، ورقة ألقاها الدكتور عاطف عطية، ضمن هذا المحور. تحدث فيها أن العولمة لم تترك لنا الا الاحتجاج، وهذا لا يفيد ولا يخفف من سطو الاميركيين علينا، فماذا نحن فاعلون؟. وأجاب بأن السبيل الوحيد هو التوجه إلى العالم المتقد الصناعي والتقني الذي يخرج عن إطار تلك الهيمنة وتحديدا في أوروبا التي لا تزال تقاوم التدخل الاميركي. وأنه على العرب العمل على صنع النظام العالمي الجديد المأمول بالمشاركة مع أوروبا وبقية الدول في جنوب شرق أسيا، في البحث عن شؤون الذات وربطها بالوعي العربي. وأكد الدكتور عطية أنه يجب على العرب تحديد موقعهم كاكثرية مسلمة، أي اسلام يريدون وأن يحددوا نقاط التلاقي مع بقية العالم.
المحاضرة الثانية في هذا المحور ألقاها الدكتور غسان طه تحت عنوان “ثقافة المقاومة واشكالية الهوية”، وتحدث عن كيف استعاد مصطلح المقاومة منزلته وقيمته في حياتنا الحاضرة من خلال الانتصار التاريخي للمقاومة في لبنان، بعدما كان مدفونا في غياهب النسيان وتم مسحه من الذاكرة العربية باعتباره انه ينتمي إلى ما كان يسمونه لغة خشبية. فالمقاومة بما هي فعل لازم لكينونة الكائنات الحية فإنها تعطيها لغتها وهويتها، بينما نحن اكتسبنا بمقاومتنا الهوية الاصلية وهي مقاومة حضارية ومن طينة الحرب التي خضناها في شرقنا ضد روما القديمة.
الدكتور أحمد الشامي تحدث عن “المقاومة ودورها في التنمية الاجتماعية”، وتوقف عند ما أسسه الاستعمار من نخبة ثقافية وسياسية لتحافظ له على نهب ثرواتنا ما انتج تقاعسا كبيرا في الأمة عن مواجهات التحديات في الداخل والخارج، وأبقاها دولا نامية أو متخلفة. وكان أن الرافضين للمقاومة لا يعتقدون بالقدرة على تجاوز الواقع السيء بمحنه وازماته وأن ثقافة التفاوض والاستسلام يحقق لنا التوازنات الاجتماعية. بينما دعاة المقاومة يعملون على إنشاء واقع ينهض بمقدارت المجتمع ويحفز طاقاته على التنمية والتطور. ولقد تمكنا بفضل الحدث التاريخي المقاوم في لبنان من توفير عامل الاستقرار الذي بدوره يؤدي إلى التنمية بشكل صحيح. وتسهم في صيرورة الاستمرار من الداخل والخارج بشكل تفاعلي وأصبح هناك وجه اخر في لبنان تمثل ان قوة لبنان في مقاومته وليس ضعفه.
أما عن الإطار القانوني للعمل المقاوم، فقد تحدث الدكتور خليل خير الله، بيّن أن تعريفا دوليا موحدا للارهاب، يفصله عن المقاومة الشرعية لم يحدد بعد، وعدم التوصل إلى هذا التعريف ينم عن رغبة القوى العظمى في التدخل بالشعوب ومنعها عن حقها في المقاومة. وشرح الدكتور خير الله عن تعريف الارهاب في اللغة والقانون من خلال النصوص القانونية اللبنانية والدولية وبيّن كيف أن نصوص الامم المتحدة تعطي للشعوب حق المقاومة في حال وجود أي خطر يهدد كينونة المجتمع.
الجلسة الثالثة : المقاومة في مواجهة الحرب الناعمة
“الحرب الناعمة والبعد الاجتماعي”، المحاضرة الأولى في هذا المحور القاها الدكتور محسن صالح، الذي قال إن البحث عن تنويع أساليب الحرب الناعمة ضد الشعوب تقوم به أميركا تحديدا، وهدفها بث رسائل إلى عقل الآخر ليتصرف وفق ما يشاء الأميركي، موهما الاخر بأنه يتصرف كما يشاء هو. وبيّن الدكتور صالح كيف أن الجامعات الاميركية تخرج نماذج في العالم المشرقي العربي ليكونوا جزءا من النسيج العقلي الغربي في مجتمعاتهم. وكان أشهر من دعا إلى هذه السياسة هو برنار لويس الكاره للاسلام والعرب، ويذكرنا بقول شاؤول موفاز الصهيوني في حديثه عن كي الوعي العربي، ويقصد بذلك محو فلسطين من الذاكرة التاريخية. وأسسوا بعد ذلك لثقافات الحرب المذهبية في مجتمعاتنا لمنعنا من التقدم وتجاوز تخلفنا. وختم الدكتور صالح أن ما نخوضه اليوم هو مرحلة من بناء الذات لتشكيل نموذج من الوعي يكون قادرا على إنشاء ثقافة اجتماعية ايجابية ومنها ظاهرة المقاومة التي هي صوتنا للتحرر والتحرير.
وعن “الحرب الناعمة في البعد النفسي” تحدث الدكتور علي الحاج حسن، وقال إن هذه الحرب تحدث دون ضجيج وبهدوء يديرها خبراء متخصصون عن بعد وتمررها لاحتلال العقول والقلوب لتدمير المواقع المتقدمة في الأمة والقيم السياسية والثقافية عند المستهدفين. وتابع بأن الحرب الناعمة تعمل بشكل مركز على الاحاطة بادراك الانسان وتشكيل وعيه ومعرفته حيث تحيط القدرات الذهنية للشخص بالمقدمات والادلة التي تجعل هذا الوعي واقعا تحت سيطرتها. وعدد الباحث اساليب الاقناع التي تمارسها سياسة الحرب الناعمة ومنها الاشاعة والدعاية وايجاد نماذج ثقافية واجتماعية تعمل من اجل اهدافهم، والسيطرة على النخب ووضع البرامج.
الدكتور عبد الحسين شعبان تحدث عن “الإعلام والارهاب في صيرورة الحرب الناعمة”، أثبت في محاضرته كيف تقوم الولايات المتحدة بايجاد مؤسسات متخصصة في هذا الجانب والتي بدأت بشكل مباشر بعد ما يعرف بازمة الخليج، وعملوا حول كيف يمكن لصانع هذه السياسة الاستفادة من هذه العقول وأبحاثها كي يأثروا في الاخر ويسيطروا عليه. وانتهى الدكتور شعبان إلى أن ما تفعله داعش اليوم هو تأسيس رعب في الحرب الناعمة وخوف لدى الشعوب العربية.
الجلسة الرابعة : المقاومة وأدبها
أدارها مدير دار الاداب الدكتور سماح إدريس، وتحدث فيها الشاعر العربي الكبير محمد علي شمس الدين عن تجربته الشعرية، وكيف أن الشعر والدين يلتقيان في أنهما يغذيان الروح الإنسانية، فهما جرح من جروح الغيب، وأنه قادر على اختراق الخصم في الصراع الدائر معه من خلال منظومة الكلمة التي هي الجرح. ولفت إلى أن شعره ليس بالسياسي أو الإيدولوجي بل هو أقرب إلى العرفان. والقى الشاعر ثلاث قصائد يحكي فيها عن روح المقاومة.
الاديب الفلسطيني مروان عبد العال، قدّم قراءة نقدية حول المكان في رواية جبرا إبراهيم جبرا، وكيف حوله إلى مكان لانطلاق المقاومة ضد العدو الفلسطيني، وجعله جزءاً من الذاكرة المستعصية على النسيان. وتحدث عن المنفى كيف يتحول إلى عامل ايجابي من خلال تحدي الغربة وبرمزية المخيم بوصفه وجه الغربة القاتلة، حين يعطي صورة الإنسان اللاجئ ما يثير الشفقة كرمزية إنسانية قبل أن يصبح قضية سياسية بامتياز.
أما الدكتور لؤي زيتوني، فقد قدّم بدوره قراءة نقدية لمجموعة القصصية للأديب والقاص علي حجازي، مركزا على مركزية المكان وكيفية تحويله إلى مكان للجبهة والمواجهة والمقاومة في لبنان خلال الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب. وكيف تصبح شجرة الزيتون المعمرة وتراب التلة وصخورها عناصر تمثل أرض الجنوب الصامد والمقاوم، بحيث أخرجت هذه العناصر أبعاداً تتلبّسها هذه المكونات المكانية تخرجها من غطارها الحيادي الجامد ليصبح لها حضور حي وحاضن للإنسان المقاوم.
الدكتور سامية سلوم، بدورها قدّمت قراءة حول المراة في شعر محمود درويش، الذي صوّر فيها المرأة كيف تصبح رمزاً للحياة والمقاومة، في حين أن المجتمع يجعل منها العنصر الأضعف فيه، والذي يمارس عليها كل قهره وهزيمته. وينتقد درويش في شعره الثقافة الشرقية التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية.