كلمة الدكتور الشاعر محمد علي شمس الدين حول كتاب الدكتور غسان التويني “جدل الثقافة والرمز في شعر محمود درويش ومحمد علي شمس الدين وكمال خير بك”
عشر تقاط في الرمز وعلاقته بالشعر
د. محمد علي شمس الدين
ملخص مداخلة حول كتاب جدل الثقافة والرمز في شعرمحمود درويش ومحمد علي شمس الدين وكمال خير
بك دراسة سيميولوجية تأويلية للدكتور غسان أحمد التويني.. صادر عن دار المعارف الحكمية 2018.
ألقيت في ندوة حول الكتاب في قصرنبا البقاع في 17.8.2019
نقطة 1….يدخل الباحث في كتابه في غابة من الرموز والاقنعة في رحلة استكشاف ممتعة لكنها محفوفة بالمخاطر. فالباحث المغامر هنا هو أشبه ما يكون بالشاعر نفسه . ويأتي الخطر هنا من القراءة. أو من نوع من النقد التقنوي الذي يخرب جمالية النص.. على ما قال تودوروف t. Todorov
في كتابه الأدب في خطر.. La. Litterature. En. Peril .
نقطة2…..أبرز ما في الموضوع المطروح عدة أسئلة حول الرمز… هل الرموز في نصوص الشعراء هي صدى للواقع أم ابتكار لواقع آخر مغاير متخيل…. فالشعر على ما نعتفد، بالرغم من استناده لقاعدة التاريخ الصلبة وصعوده نحو السؤال الوجودي والفلسفي إلا أنه يبدأ من حيث ينتهي التاريخ وتنتهي الفلسفة.. فهو جمالية مسيطرة وانخطاف للنفس البشرية. وهو نتاج زواج الخيال باللغة على ما يرى الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في الفتوح المكية.. وبه يغدو الشاعر على صورة الخالق لأنه.. بالخيال يوجد ما ليس موجودا.
ثمة أسئلة اخرى يثيرها العنوان.. من أين تنبثق الرموز وكيف تولد… هل ولادة الرموز مرتبطة بالحداثة أم أنها اسلوب قديم في الحياة والتعبير.. هل الرمز في حال هو قناع علامة ضعف أم قوة للنص الشعري… ففي القناع هناك شخصان الشخص المستور… الشاعر… والشخص الظاهر.. القناع. إن حجب الأنا المستورة يمنحها القوة والرهبة فالآلهة القدماء مستورون كذلك الحكام والجبابرة.. وينشأ في لعبة القناع صراع بين أنا الشاعر وقناعه المستعار والشاعر القوي… بين مزدوجين مدعو للتغلب على رمزه وقناعه من خلال نرجسية إبداعية غير فرويدية.
وقد يلجأ الشاعر للرمز لرغبته في تسريب غموضه.. وقد يكون الخوف مصدرا من مصادر استعمال الرمز سيما أن القهر والعنف يسمان العالم الحديث والعالم القديم… لقد لجأ المتصوفة كما لجأت الحركات العقائدية والسياسية المناوئة للسلطة الى السرية وتداول الرموز بسبب الخوف كما فعل الصوفية وأخوان الصفا والقرامطة في الفرق السياسية والعقائدية
نقطة3…. مجمل الأدب الديني والأسطوري لدى الشعوب. أي الثيولوجيا والميثولوجيا يملأ التاريخ. في حضارات بلاد ما بين النهرين وحضارة الهلال الخصيب والحضارة الفرعونية والحضارة اليونانية القديمة والرومانية وحتى في الأسكيمو وأعماق افريقيا السوداء… لكن الجديد هو دخول الرموز والأساطير في تكوين الرؤى الحداثية في الفنون. أي كأسلوب من أساليب الحداثة modernite. في الغرب أولا ومن ثم في المشرق ومنه المشرق العربي. فظهر اليوت في الشعر ويونيسكو في المسرح وبيكاسو في الرسم وسواهم ممن يضيق عنهم هذا الموجز
نقطة4.. بشيء من التأمل والملاحظة نرى أن العالم بكامله يتحول يوما بعد يوم الى عالم إشاري ورمزي. وأن تعطيل هذا النظام ربما معناه القيامة. وليس هذا الكلام من باب الخيال العلمي او الفنتازي بل هو حقيقة يومية راهنة لا مفر منها الا بالانسحاب الى الغابة او الكهف.. لذلك فالسيميائية هي علم الحاضر والمستقبل. والسيميائية هي علم الاشارت والرموز
نقطة 5. يتناول الدكتور التويني في كتابه ثلاث تجارب شعرية معاصرة من بينها تجربتي ولا بد من الانتباه الى ذلك الجهد الكبير الذي يقال في مثله أنه جهد جرماني. الذي بذله الباحث على امتداد سنوات في ملاحقة الرموز الشعرية وفك أقفالها والإجتهاد في تأويل أبعادها ومراميها محتكما الى النص الشعري كأساس للبحث ومستعينا على فهمه بعدة معرفية وافية من المراجع العربية والمعربة والفرنسية فضلا عن المعاجم والدوريات والمقابلات والمؤتمرات والمواقع الالكترونية. من هذه المراجع العربية كتب الدكتور علي مهدي زيتون النقدية وفيها قسم واف عن تجربتي الشعرية وتجربة شعر المقاومة… وفي المراجع المتعلقة بالألسنية فهي. على أهميتها كانت ستكون أكمل فيما لو اضاف لها الباحث كتاب. مقدمة لدرس لغة العرب.للشيخ عبد الله العلايلي الصادرة لي طبعتها الاولى في القاهرة العام1938.. كما أنه في الصفحتين الأخيرتين من الأطروحة… الكتاب.. أورد الباحث ثبتا تعريفيا ببعض المصطلحات المفاتيح.. تناول فيه الأسطورة والرمز والسيميائية والإنزياح والأدبية والدال والمدلول والأسلوبية والألسنية.. وأرى انه كان ثمة ضرورة للتعريف بمفردتين إضافيتين هما الصوفية والسريالية فإن جزء كبيرا من رموزي الشعرية يدور في هذين الفلكين كرمز الطير مثلا وهو رمز جوهري في ما كتبت في أكثر من ديوان..أخص بالذكر قصيدة ذكر نا حصل للنبي حين أحب
وهي وصف لمعراج الطير نحو خالقها على غرار منطق الطير للعطار النيسابوري . لكن الباحث لم يدرس عامة الطير في شعر شعرائه بل اقتصر غلى بغض الرموز الدؤزؤة.. المسيح والحسين مثلا وغلى بعض الرموز الأسطورية. تموز والفينيق.. والتاريخية امرؤ القيس والمتنبي والسياب . فضلا عن مفردتي الماء والدم بوصفهما مفتاحين رمزيين
في مصادره للشعر نلاحظ ان الباحث استند الى أعمالي الشعرية الصادرة في القاهرة العام 1993.عن دار سعاد الصباح.. وهي مكتظة بالأخطاء مع نقص لقصيذة المهدي في بعض نسخها.. وكان أولى بالنسبة لهذه الناحية لو تم الاءوزاذ إلى الأعطال الئعرؤة الصادرة العام 2010..بجزئين عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر لانها خلو من اغلاط الطباعة. والأهم لأنها تنطوي على مقالة أساسية للمستشرق الاسباني الكبير الدكتور بيدرو موزوابيث رئيس جامعة الاوتونوما في مدريد… كانت قد صدرت في كتاب مستقل بالإسبانية عن منشورات المنارة 1976…77″. وتتضمن قصيدة البحث عن غرناطة التي ترجمها المستشرق مونتابث
الى الاسبانية مع تحليل عميق للشعرية في القصيدة.. قامت بنقل المقالة الى العربية الباحثة في الادب الاسباني الدكتورة ناديا ظافر شعبان.. وتم وضعها في مقدمة الجزء الأول من الأعمال الشعرية
نقطة6. . منهجيا يستند الباحث تجاه الرمز الى ما سماه ثالوث الرمز والثقافة ورؤية الشاعر. وهو يعول على اللغة كعلامات سيميائية في النص الشعري لها دلالاتها وظلالها وعلى الثقافة في التجربة الشعرية الحديثة. لا يتوسع الباحث في الفروق الأسلوبية بين شعراء أطروحته لكنه يشير في الصفحات الأخيرة إلى تفرد درويش في رمز يوسف وشمس الدين في رمز الحسين وخير بك في رمزي طارق وابي موسى الأشعري. وهو برأيي ليس تفردا كاملا لأن التفرد يتناول الأسلوب وإدارة اللغة والمخيلة والصورة والإيقاع وحتى ما لا يمكن ان يقال او يطال في التجربة العرفانية
النقطة 7. جعل الباحث الرموز التي اختارها مرتبطة بالظروف السياسية والثقافية التي عاشها كل شاعر. وهي متشابهة تقريبا.. لكن المعادل الموضوعي.. بتعبير اليوت…. لا يؤدي بالضرورة بالظروف المتشابهة الى نصوص متشابهة. ان الانهار.. كما سبق وقلنا تجاه السياب وبويب.. يبتكرها الشعراء والمدن تصنعها المخيلة
نقطة 8. يشير الباحث الى ما يسميه الشك الدرويشي في تموز كقوة قادرة على الإنبعاث والعودة للحياة. ويعيد ذلك للهزائم والخيبات العربية وهزيمة اليسار العربي ما جعل الشاعر يدس أفعى في العشب.. في قصيدة تموز والأفعى من ديوان عاشق من فلسطين… لكنه فيما بعد وفي قصيدة نزف الحبيب شقائق النعمان من دبوان لا تعتذر عما فغلت 2004 يغدو تموز الدرويشي خصبا وليس عقيما…. ما يشير الى دينامية الرمز وتحوله وفاق المرحلة والرؤية التي يعبر عنها الشاعر وهي ملاحظة بالغة الدقة والأهمية ذلك لا يمنع. على ما أرى …. وهذا الرأي يخصني ولا دخل للباحث فيه. انه كان ثمة التباسات في الهوية بالنسبة لمحمود درويش غير بعيدة عن انتماءاته السياسية منذ ان كان داخل الارض المحتلة وبعد خروجه. إلى مصر العام 1968ومن ثم إلى بيروت. فتونس مع منظمة التحرير الفلسطينية.
العام1982. يقول في حالة حصار وقد كتبها العام 2002 في رام الله وكانت الدبابات الاسرائيلية تحت نافذة منزله.. إلى قاتل….. لو تأملت في وجه الضحية وفكرت كنت تذكرت أمك في غرفة الغاز كنت تحررت من حكمة البندقية كما انه في قصيدة فكر بغيرك يظهر مزودا بحس انساني نادر اتجاه عدوه أكثر مما يحتمله الدم الفلسطيني المهدور. كما ان للبندقية حكمتين لا حكمة واحدة….. فحين تخلى أبو مازن عن حكمة البندقية خلع فلسطين من عنقه
نقطة 9….إن الرمز التموزي عندي .. المندمج بالدم الكربلائي هو تبعا لقصيدة الغيوم التي في الضواحي 2016..هو رمز غير ملتبس. في شهر تموز من عام جرح وألفين بعد المسيح….. وستين مجزرة في القرى في طريق الإمام الذبيح….سجلوا في دفاتركم مايلي. لقد أزف الوقت وانتصرت كربلاء…مثلما شاءها الأقوياء…
النقطة 10… لناحية رمز الماء يرى الباحث أن درويش في قصيدة النيل ينسى… يصبح النيل مشبوها في دوره كما يقول ص134 ويعزو ذلك الى الفشل السياسي وفشل الثقافة اليسارية وهو يعطي نفس التفسير لقصيدتي عن نوح في سورة النشوة حيث يرد في آخرها.. قفز نوح الى اليابسة وحده ترك زوجه وطيور السماء وحيوانات الأرض خلفه.. تطلع الى السماء.. مد يده وقال والآن ماذا أفعل يا الله لكن الحقيقة هي أن هذه القصيدة تناقش الحكاية الدينية والأسطورية معا وتشير الى الضجر الأبدي
للإنسان.