رواية “زرايب العبيد” للروائية الليبية نجوى بن شتوان، تعود الى ما قبل الاحتلال الايطالي لليبيا، الى مطلع القرن العشرين.
عودتنا الدكتورة لميس في بحثها الروائي، أن تتناول موضوعات تخصّ المجتمع بشكل عام، والمرأة بشكل خاص، ففي رواية “ساق االبامبو” للروائي الكويتي سعود السنعوسي سلطت الضوء على ما تعرضت له احدى الخادمات في بيت من بيوتات المجتمع الكويتي، وفي هذه الرواية تبرز قضية امراة سوداءاسمها” تعويضة” تتعرض للتعنيف الجسدي و النفسي على يد احدى الاسر الليبيّة الممسكة بسلطة المال والمتمسكة بتقاليد وأعراف تسقط معها كلّ المفاهيم الانسانية والقيم الدينية.
وضعتنا الباحثة امام رواية تؤرخ لحقبة زمنية شديدة الدلالة في المجتمع الليبي، اذ تكشف عن التفسخ الاجتماعي من جهة، والفرقات الطبقية التي تقسّم المجتمع الليبي الى مجتمعات عديدة، يصبح مها المجتمع شظايا مفككة، ودوئر مغلقة على نفسها.
بالعودة الى المنهج البنيويّ التي أشارت أليه الباحثة، من الجائز أنّ النسيج اللغويّ الذي يشكل السرديّة قد قدّم لنا كمّا لغويّا يمكن أن ننفذ من خلاله الى رؤية الروائية فاللونان السّائدان في مساحة الرواية، “الاسود/ الابيض” بوصفهما لونين يخرجان عن لغتهما الوضعية المرجعيّة، الى لغة سيمائية تقدم دلالات رمزية، تكشف عن حقيقة اللونين في بعدهما الاجتماعي الثقافي.
فاللون الاسود يمثل في الرواية العنصر المقهورفي جسده وفي نفسيته وفي ثقافته، اما اللون الابيض، فأنه يمثل عنصر السلطة القاهرة بأدواتها المتاحة لها من السلطة المالية والتقاليد الاجتماعية.
حين تقرأ البحث، تتلمس زمن الرواية الفاعل في تطوير أحداثها، خصوصا، حين تتحوّل مشقة الزّمن في الرواية الى قدرٍ لا يملك معه الانسان أرادة الحياة في مواجهة سلطة مدمرة، اضحت قدراً لا مفرّ منه، اذ يقبل الانسان بما لا يمكنه القبول به(سالم يتزوج تعويضة).
وهنا لا بدّ من الاشارة الى أنّ ايديولوجيّة العنف والاضطهاد ضد السود خرافة تصل الى حدّ العقيدة التي يستسلم معها الانسان الاسود لصاحب السلط الابيض.
إنّ ما قرأناه في بحث الدكتورة لميس من مشاهد لحقت بجماعة لونها أسود، لا يعدّ نتيجة اتباع عقائد موروثة ص”5″، إنّماهوناتج عن التمسك بأعراف وتقاليد تمسك بزمام السلطة من جهة، وتلحق الظلم والاستبداد بجماعة مستضعفة بسبب لونها من جهة أخرى.
وبقدر ما كان الزّمن فاعلا في حركة السّرد وتطوير الاحداث،بقدر ما كانت الامكنة قوية موحية برمزيّتها ” زرايب العبيد، الحمام، أمكنة الدعارة” تمثل بيئة اجتماعية مقهورة مضطهدة، مستسلمة، هذه الامكنة تتحذّث عن نفسها بما تقدم من علامات القهر، والاستغلال لفئة لم تعد تعامل وفاق القيم الانسانيّة والتعاليم الدينيّة التي تدعي سلطة المال القاهرة أنها تسير وفاقها.
تتوقف الدكتورة لميس في الصفحة “7”عند مشهد تعذيب “تعويضة”وطفلها يصرخ “تختلط استغاثاتها بصوت آذان الجمعة”ص255.
لم تذكر الروائية عبارة”…صوت آذان الجمعة” مع مشهد التعذيب والصلب لتعويضة، الا لتقدم لنا سلطة اجتماعية غير رشيدة في فهم الاسلام الحقيقي السمح الذي دعا الى المساواة بين الناس، كما أشارت العبارة الى مشهد الارهاب مشفوعا بصوت الاذان الذي يحمل علامات الخير والرحمة،أذا نحن امام اسلام يقدم بصبغة جديدة، يوظف لخدمة سلطة قاهرة.
من المؤسف ان هذه الظاهرة لاتزال قائمة في ليبيا حتى يومنا هذا، فسماسرة الاتجار بالرقيق يستغلون الثورات العربية التي تقدمها اميركا لمجتمعاتنا، من المفروض ان تكون هذه الثورات قد حررت الانسان واعطته حريته، ووفرت له العدالة الاجتماعية، ولكن بعد سبع سنوات لا نرى الا الفوضى الدموية، وسطوة المنظمات الارهابية المسلحة، وأسواق النخاسة في سوريا والعراق وليبيا.
13/1/2018 د.غسان أحمد التّويني